إن المسلم حقاً هو من هداه الله لدينه ووفقه الله لمعرفة أسباب السعادة ،
والتي أهمها الإيمان بالله تعالى ، وبما جاء عنه سبحانه ، وتصديق رسوله
، والعمل بمقتضى هذا الإيمان ، ونظراً لغلو بعض المسلمين في مدح المجتمعات
الغربية غافلين عن سيئاتهم ، وعن كثرة حوادث الانتحار في مجتمعاتهم ، التي
ترتفع نسبتها في بعض البلدان الغربية فتصل إلى مئة منتحر كل شهر ؛ بسبب
بُعدها عن المصدر الإلهي الصحيح ، وكان لا بدّ من إفراد الحديث عن الانتحار
، وعن خطورته وآثاره السلبيّة مع دخوله في قتل العمد - والقتل العمد إذا
أطلق فغالب إطلاقه على قتل يقع من طرف غير الإنسان نفسه - .
تعريف الانتحار
الانتحار : هو قتل الإنسان نفسه عمداً ، قاصداً إزهاق روحه .
حكم الانتحار
الانتحار محرّم ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ، التي توعّدَ الله تعالى عليها بعقوبة ولعن وسخط .
دليل تحريم الانتحار
ثبت تحريم الانتحار وعقوبة فاعله في كتاب الله تعالى وسنة رسوله .
من الكتاب :
[ سورة النساء آية 29 ]
وجه الدلالة : النهي الوارد في الآية الكريمة « لا » يقتضي التحريم ، وهو عام لكل صورة من صور القتل للنفس .
[ سورة البقرة آية 195 ]
وجه الدلالة : النهي الوارد أيضاً في الآية الكريمة « لا » يقتضي التحريم ، وهو عام لكل صورة من صور القتل للنفس .
ومن السنة :
قال رسول الله
: مَن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالداً
مخلّداً فيها أبداً ، ومن تحسّ سُماً فقتل نفسه فسمّه في يده يتحساه في نار
جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ
بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً [ رواه البخاري ومسلم ].
من تردّى من جبل : من ألقى بنفسه . تحسّى سماً : شرب سمّاً . يجأ بها
:يقتل ويجرح بها .
وقد ورد في غزوة أحد قصة الرجل الذي قتل نفسه لمّا جُرح جرحاً شديداً، بأن
وضع ذباب سيفه « ذباب سيفه : رأس السيف ومقدمته » بين ثدييه، وتحامل عليه،
فقتل نفسه - صورة ذلك أن وضع رأس السيف على صدره واتكأ عليه -، فقال رسول
الله : أما إنّه من أهل النار [ رواه البخاري ].
بناءً على هذه الأدلة ونحوها ، فإنّه يحرّم على الإنسان أن يتسبب في إلحاق الضرر بنفسه ، كما حرّم عليه إلحاق الضرر بغيره .
الحكمة من تحريم الانتحار
إن الإنسان ملك لخالقه ومولاه ،
[ سورة المائدة آية 120 ]
فلا يجوز لأحد البتة أن يتصرّف في ملك غيره بدون إذنه لا عقلاً ولا شرعاً ، فالعقلاء يدْركون أن الإنسان ملك لله ؛ لأنّه - سبحانه - خالقه ، كما أن النصوص القرآنية الدّالة على أن الإنسان ملك لله تعالى كثيرة منها :
[ سورة آل عمران آية 26 ]
والخطاب لك أيّها الإنسان ، فأنت في حقيقة الأمر مؤتمن على أمانات كثيرة ،
أجلها وأعظمها نفسك التي بين جنبيك ، وقد أمرك خالقك بالحفاظ عليها ، شأنها
في ذلك شأن سائر الودائع التي استودعك الله عليها حتى يستردّها منك متى
شاء سبحانه وتعالى .
المنتحر « وهو القاتل لنفسه والمزهق روحه عمداً » بارتكابه هذا الفعل الشنيع العظيم عند الله تعالى ، قد ارتكب جريمتين عظيمتين .
عدم الرضا بقضاء الله وقدره ، وضعفه عن الصبر على ما قدّره الله له وقضاه ،
[ سورة التغابن آية 11 ]
تعدّي المنتحر على ما لا يملكه .
[ سورة البقرة آية 190 ]
سعادة المرء ، وهدايته ، لا تأتي إلاّ باتباع هدى الله تعالى ، والخضوع
لأوامره سبحانه والالتزام بها ، والضلال والضيق والشقاء والحزن سببه إعراض
المرء عن ذكر ربّه ، وعن صراطه المستقيم .
[ سورة طه الآيتان 123 - 124 ]



